نظام مجلسي بدون ثلث التعطيل لانقاذ التحالف الحكومي

بدون الدخول في تفاصيل كثيرة كنت متابعا لِنَقُلْ مقربا لكواليس المفاوضات بين النهضة والمؤتمر حول توزيع السلطات الثلاث (رئاسة الحكومة, رئاسة الجمهورية و رئاسة المجلس) وايضا توزيع الحقائب وغيرها من النقاط. كان رأيي الذي عبرت عنه للاصدقاء في الطرفين أن الرئاسة يجب ان تحافظ على ذات صلاحياتها التي كانت مباشرة بعد 14 جانفي اي تكميلية لشرعية رئاسة الحكومة حيث لا يمكن في هكذا وضع هش عدم مركزة السلطة التنفيذية في مصدر محدد (الحكومة) ولكن في المقابل يجب أن يبقى مركز ثقل السلطة بكل مستوياتها في المجلس التأسيسي
وبهذا المعنى لم أر داعيا كبيرا لأن يتمسك مثلا الدكتور المرزوقي بموقع الرئاسة اذا كان يطمح من خلاله لتسيير اصلاحات اساسية في الدولة، واقترحت في المقابل التركيز على التموقع في اكثر من وزارة سيادية على مستوى الوزارة او كتابة الدولة، مع الدور الاعتباري لرئيس المجلس التأسيسي من حيث اشاعة صورة الرجل الموفق بين الجميع و ”اب الدستور”. لكن بمعزل عن هذا الاختيار كنت ولازلت أرى أن التأثير في سير السلطة التنفيذية يمكن أن يتم حتى بصلاحيات رئيس ضعيفة لأن الاهم آليات التحكم في الحكومة من خلال المجلس التأسيسي، ومن ثمة نفوذ الاحزاب فيه وليس الاشخاص الممثلين لهم في مؤسسات خارجه.
ليس غريبا أن توزيع السلطات ينبني على أساس توزيع المقاعد وهكذا فان الحزب الاكثر مقاعد يطلب نفوذا متناسبا مع نفوذه. لكن طبعا عدم حيازة النهضة على الاغلبية المطلقة (50% +1) واعلان بعض الاطراف معارضة مبكرة لاي تحالف حكومي بقيادة النهضة جعل خياراتها في تشكيل تحالف يحوز على هذه الاغلبية محدودا في اطراف محددة توجد اصلا بينها وبينهم أسس تحالف.
لا يجب أن نضرب مصداقية أول انتخابات حرة لدى الناخب التونسي من خلال مزيد التقليل من قيمة صوته. بعد أن تم التخفيض من هذا الوزن من خلال القانون الانتخابي النسبي يتم الآن الدفع من قبل البعض الى مزيد تخفيضه من خلال تخفيض قيمة نسبة 40% التي حازت عليها النهضة عند توزيع السلطات. كان خيار النهضة من قبل نسبة كبيرة من الناخبين تعبيرا عن وزنها الواقعي في الشارع. وبهذا المعنى لا يمكن ارسال رسالة للناخب مفادها ان صوته غير مهم والاهم هو توافقات السلطة بين عناصر النخبة السياسية. ولهذا فإن تزويع السلطة بالتناسب مع الوزن الانتخابي مبدأ لا يمكن التغاضي عنه.
لكن في المقابل ليس من مصلحة النهضة إضعاف أي من حلفائها خاصة ان هياكلهم الحزبية القائمة على اسس محددة تعاني بعض الضعف ومهددة بالانقسام بدون صعوبة في حالة تزايد الضغط عليها. بمعنى آخر على جميع فرقاء التحالف قراءة مصالح كل حزب من احزاب التحالف على أن مصلحته الخاصة، فقط حينها يمكن بناء تحالف حكومي قوي تحتاجه البلاد للعبور ضمن آليات الديمقراطية الناشئة الى ضفة الاستقرار.
اعتقد أن عقدة مشاكل المفاوضات الحالية ليست صلاحيات الرئاسة. حيث أن توزيع السلطات التنفيذية بين رأسين للنظام يمكن ان يخلق حساسية مع الحليف الثالث. كما أنه يضعف سلطة المجلس الذي يجب أن يبقى مصدر كل السلطات. ثم إن تقاسم الحكم بين الاطراف الثلاثة للتحالف الحكومي هو تقاسم للسلطات بين الاحزاب وليس الأشخاص. وبهذا المعنى الخطة السياسية والبرنامج الاقتصادي والاجتماعي للتحالف هو المرجعية الأساسية وليست المرجعيات الشخصية.
وبناء على كل ذلك يبدو أن الأساس الاكثر صلابة للتحالف يجب ان يبقى في تحالفهم داخل المجلس فيما يخص شؤون السلطة التنفيذية. ولكن ما يمنع بناء أسس قوية لهذا التحالف هو البند الذي ينص على أن سحب الثقة من الحكومة يستوجب الثلثين زائد واحد بعكس ما يستوجبه منحها الثقة اي الاغلبية المطلقة (50% +1). اذ بذلك تملك النهضة ضمنيا امكانية تعطيل اي محاولة لسحب الثقة من الحكومة حتى اذا تخلى عنها حليفاها. فهي تبني معهما ثقة الحكومة في حين لا تحتاج لهما لسحبها. في المقابل اذا تم اشتراط سحب الثقة في مستوى الاغلبية المطلقة (50% +1) وليس اغلبية الثلثين حينها يمكن بناء شروط موضوعية تجعل التحالف الثلاثي في مركب واحد. يغادر الميناء في ذات الظروف التي يسافر فيها. وان تغرق السفينة فيجب ان تغرق بالجميع. هكذا فقط يتم بناء أسس صلبة للتحالف الثلاثي بدون استهداف الاغلبية النسبية الممنوحة للنهضة.
اشتراط منح الثقة وسحبها في الاغلبية المطلقة (50% +1) يعني ايضا، وهذا هو الأهم، أن المجلس التأسيسي بما في ذلك تحالف الكتل داخله هو المرجع الرئيسي للسلطات بما يرسخ طبيعة المرحلة أي مرحلة النظام المجلسي. رئيس بدون صلاحيات كبيرة لا يعني أن الحزب الذي يمثله بدون نفوذ في هذه الحالة. اذ ان كتلة حزب المؤتمر مثلا تستطيع عبر وزنها في المجلس التأسيسي الضغط على الحكومة اذا ما لم تلتزم بالخطة السياسية المشتركة والبرنامج الاقتصادي والاجتماعي المتفق عليه. عدى ذلك فإن الرئيس يملك سلطة معنوية يمكن استعمالها بشكل ابداعي لممارسة الضغط في حالة عدم الالتزام بذات المرجعية المشتركة.
كل ذلك يؤدي بنا الى خلاصة أساسية. جوهر النقاش لا يجب أن يكون حول مقارنة صلاحيات الرئيس بصلاحيات رئيس الحكومة في مستوى السلطة التنفيذية بل بتحديد السلطات التنفيذية للحكومة من خلال آليات سحب الثقة منها في المجلس التأسيسي، بوصف الأخير هو المرجع الرئيسي لأي شرعية. وفي جميع الأحوال فإن مزيد الابطاء في تشكيل الحكومة يعني عمليا خسارة الجميع اذ توجد أسباب موضوعية كافية اقتصادية واجتماعية اضافة لمرارة المنهزمين في الانتخابات بما يمكن أن يعرقل الاستقرار اللازم لبدئ الحكومة عملها، ومن ثمة تعطيل المسار الديمقراطي برمته.
المشهد التونسي – خاص – د. طارق الكحلاوي
 http://www.machhad.com/?p=3965.

Commentaires

Articles les plus consultés