الانتقال من المعارضة الى السلطة، من الثورة الى السياسة، من الاحتجاج الى المسؤولية، لن يكون سهلا حتى لأكثر السياسيين صدقا في النوايا
الانتقال من المعارضة الى السلطة، من الثورة الى السياسة، من الاحتجاج الى المسؤولية، لن يكون سهلا حتى لأكثر السياسيين صدقا في النوايا. أحد معضلات الحياة السياسية القادمة هي مدى قدرة أحزاب السلطة الجديدة التأقلم مع شروط هذا الانتقال. وهذا يعني اولا وبالاساس القدرة على تحمل مسؤولية افعال السلطة وعدم البحث عن مشجب لتعليق المسؤولية عليه.
في المقابل من لم يسمح له التفويض الشعبي بهذا الانتقال سيتمترس (كما تشير المؤشرات الاولية للأسف) في خطاب شيطنة السلطة الحالية ضمن توصيف “الدكتاتورية الجديدة” لأنه خطاب مريح وجاذب للطهورية. وربما، أقول ربما، يوفر مقاعد اكثر في الانتخابات القادمة، لكنه يجعل هذه القوى في محلك سر. وبهذا المعنى القوى التي ستجرب السلطة ربما تخطئ وربما تتعثر وتهترئ بعض شعبيتها لكنها ستتطور بالضرورة. لكن القوى التي لن تجرب ذلك ستبقى قبل التاريخ، في معادلات ما قبل 23 أكتوبر.
نحن الآن في مرحلة تاريخية جديدة. مرحلة يمكن أن يناقش فيها الجميع وبدون استثناء وفي كل مكان اي مشروع يقدم للمجلس التأسيسي. نحن الآن في مرحلة يمكن فيها لنائب في المجلس التأسيسي ان يناقش مع “اصدقائه وصديقاته” على فايسبوك مشروع التنظيم المؤقت للسلطة العمومية، يعلن موافقته عليه او معارضته له قبل التصويت. نحن الآن في مرحلة تاريخية لا يمكن مهما تحلينا بالنوايا السيئة ان نسميها “دكتاتورية جديدة”.
النظام الذي تريد حركة النهضة تضمينه في هذا التنظيم المؤقت هو ببساطة النظام البرلماني وهو مقترحها في النظام السياسي المقترح للدستور الجديد. للنظام البرلماني محاسنه ومساوئه لكن ليس له علاقة بـ”الدكتاتورية”. هو ببساطة يعطي اولوية للسلم النسبي في المقاعد و ايضا الاغلبية المطلقة على حساب ما يقرب للتوافق و الاجماع أي اغلبية الثلثين. المجلس التأسيسي لا يساوي برلمانا لكن يحتويه. ما يمكن الضغط في اتجاهه ربما هو عرض الدستور على الاستفتاء لطمأنة الشارع انه يبقى ذي سلطة مراقبة للمجلس.
في الواقع الديمقراطية نظام بشري في طور التجريب وليس نموذجا مرجعيا واحدا. ونحن الآن بصدد تعلم ابجديته خطوة خطوة. الضغط المتواصل على الحزب الاكثر مقاعد و على التحالف الحكومي، من داخل ومن خارج المجلس أمر متوقع بل ضروري. ذلك مكون بديهي من اي نظام ديمقراطي. ولا يجب ان نبحث عن اصول اي تحركات احتجاجية في “مؤامرات” اقلية لم تنجح في اقناع الناخبين بالحصول على مقاعد تزيد على اليد الواحدة.
نعم “قلة من الناس تستطيع اختلاق بعض الفوضى العارمة” لكن الاحتجاجات والاعتصامات في القصرين وقفصة وغيرهما تحتاجان مقاربات من جهة سياسية احتوائية ميدانية تواجه ما هو ذهني (وليس برقيات متلفزة من العاصمة) وايضا وعيا عميقا بأن اصولها تضرب عميقا في البنى الاقتصادية والاجتماعية.
نعم “قلة من الناس تستطيع اختلاق بعض الفوضى العارمة” لكن الاحتجاجات والاعتصامات في القصرين وقفصة وغيرهما تحتاجان مقاربات من جهة سياسية احتوائية ميدانية تواجه ما هو ذهني (وليس برقيات متلفزة من العاصمة) وايضا وعيا عميقا بأن اصولها تضرب عميقا في البنى الاقتصادية والاجتماعية.
السلطة الجديدة في المقابل ستحاول اقصى ما أمكن احتواء اجزاء من النظام القديم مثلما سيبدو من بعض التعيينات (او عدم التعيينات) الحكومية وخاصة على مستوى الادارات الكبرى في الدولة. ذلك ما يمكن ان نطلق عليه عموما في نسق اي مسار ثوري بـ”اربعة خطوات الى الامام خطوة الى الوراء”.نحن الآن بصدد ولادة السياسة الحديثة في تونس حيث لاول مرة تتفاوض احزاب على اقتسام الحكم بعد انتخابات حرة. وحيث يجب على رئيس الوزراء المتوقع ان يحسب كل انفاسه قبل النطق باي شيء. وحيث يمكن السخرية من الجميع بلا استثناء. ونحن محظوظون تماما بذلك
طارق الكحلاوي
http://www.machhad.com/?p=3846 .
Commentaires
Enregistrer un commentaire