الحكومة التونسية, ليس كل الوجوه "المستقلة" هي "مستقلة" عن أوساط نخبة الحكم, قلة خبرتهم السياسية يمكن أن تضعهم في موقع التلاعب

 نعم فرضت نضالات و ضغط شعبنا إقصاء رموز "التجمع" عن وزارات السيادة (باستثناء الوزير الاول "المستقيل" من "مسؤوليته" في التجمع و ليس مستقيلا تماما منه).. لكن الحكومة ليست وزراء فحسب.. و حتى الوزراء و رغم طابعهم "المستقل" فإن قلة خبرتهم السياسية يمكن أن تضعهم في موقع التلاعب، ما حصل في القصبة يوم 28 جانفي و ارتباك وزير الداخلية الجديد (فرحات الراجحي القاضي الذي يجمع الكثيرون على أنه فعلا غير متورط مع السلطة) أبرز الامثلة على ذلك

أيضا ليس كل الوجوه "المستقلة" هي "مستقلة" عن أوساط نخبة الحكم (و هنا أفرق بين نخبة الحكم و العائلة الحاكمة المخلوعة).... سآخذ مثالا لا يبدو أنه يحظى بكثير من الاهتمام: هناك أربعة أعضاء جدد ممن يمكن أن يوصفو بـ"التكنوقراط" في الحكومة (ثلاثة وزراء و كاتب دولة) شبان ناجحين كرجال أعمال و اقتصاديين في فرنسا (إلياس الجويني، سامي الزاوي، ياسين براهيم، مهدي حواص)... جميعهم أعضاء في "الأتوج" أو "جمعية التونسيين المتخرجين من المدارس الكبرى" الفرنسية
يجب أن نلاحظ هنا أن هذه الجمعية لا تتبنى طرحا سياسيا صريحا (حتى لو أن هناك بروزا فيها لبعض الشان المرتبطين بنخبة الحكم و ليس بالعائلة الحاكمة المخلوعة).. لكن من المثير للانتباه أن هذه المجموعة أيضا ذات علاقة قوية (و بحساب ذات الأسماء المذكورة أعلاه) بمجموعة أسسها حكيم القروي عضو "الأتوج" (و ابن أخ حامد القروي نائب رئيس "التجمع" السابق و الراعي لمحمد الغنوشي) تسمى "قادة شبان للمتوسط"
(Young Mediterranean Leaders)
و كانت نشيطة في السنوات الأخيرة و نظمت أول مؤتمر لها سنة 2008 في تونس بحضور وزراء تونسيين و نخب سياسية و اقتصادية فرنسية على وجه الخصوص (تغلب على علاقات هذه المجموعة حسب قائمة ضيوفها السياسيين وجوه اليمين الديغولي)... فيما يلي روابط للتعرف على أنشطة هذه المجموعة و يمكن أن تجدوا فيها أسماء الاعضاء الجدد في الحكومة
مؤتمر 2009 لمجموعة قادة شبان للمتوسط في اشبيلية.. بحضور مهدي حواص و سامي الزاوي
رؤساء و مجلس ادارة مجموعة قادة شبان للمتوسط
مؤتمر 2008 في تونس بحضور وزراء تونسيين و أيضا من بين الحضور الرئيسيين مهدي المبروك (صهر بن علي) و سامي حواص

الخلاصة التي أريد أن أخرج بها من هذا أن الاختيارات في علاقة بهذه المجموعة الشابة و التي تمسك بوزارات مفاتيح في الاقتصاد ليست اعتباطية بل انتقائية لنخبة شابة ليست بعيدة عن نخبة الحكم... و لن يكون من الغريب أن يتم تقديم هؤلاء الشبان في الاشهر القادمة (قبل الانتخابات) في مقدمة صفوف "التجمع" في نسخة جديدة  
 
أخيرا... جهاز الحزب رغم تهالكه و انقسامه المتوقع لن يندثر بعد.. و سيحاول الخروج في شكل جديد... و هو متمترس في الدفاع عن موقفه و لن يسلم بسهولة، مثله مثل بقية الأجهزة التي استكانت و استفادت من نظام بن علي... إذ أي تصور يعتقد أن رحيل العائلة الحاكمة المخلوعة هو نهاية للنظام هو ببساطة واهم.. إذ العائلة الحاكمة كانت تمارس حكمها فقط بسبب تملها و استعمالها و توريطها مختلف الأجهزة الحزبية و الامنية

أيها السادة لن آتي بجديد، لكن في سياق كل التهويمات التي تشتت تركيز الناس السياسي بعيدا عن مركز السلطة (بين "القناصة" و "الفراغ" و "الراديكاليين" و "النهضة" و "الفوضويين-المعتصمين".. بل حتى مغامرات ملاحقة العائلة المخلوعة أصبحت أحد هذه التهويمات)، يجب أن نتذكر.. أن "التجمع" لم يرحل بعد.. مثله مثل بقية أجهزة النظام

Commentaires