أول امتحان لرئيس الحكومة الجديد السيد السبسي، مسألة استقلال القضاء و محاسبة المجرمين من النظام البائد، على أفعالهم الإجرامية

إنه من الغرابة بمكان أن يقبل جامعي اختصاصه القانون الدستوري، ترأس لجنة منبتة خارجة عن المنظومة القضائية التي تعتبر وحدها وبصفة حصرية صاحبة الشأن و الاختصاص في ذلك، للتحقيق في جرائم الفساد والرشوة، وخاصة في ظرف استثنائي، وعلى أنقاض جماجم الشهداء الأبطال، صانعي ثورة الشعب المجيدة، إلا لغاية في نفس يعقوب، واعتبارا لميثاق الشرف المهني لكل حقوقي و رجل قانون، فإن هذا الفعل المريب، ليثير استفهاما جادا ومقلقا، إذ لا يمكن أن تصنف هذه الآلية المبتورة عن أي مرجعية دستورية، إلا من باب الالتفاف على ثورة الشباب المسحوق من قمع النظام البائد وأزلامه، والفرار من سيف العدالة وذلك بسرقة أوكد مهام القضاء في وضوح النهار، فبفحص بسيط لتركيبة هذه اللجنة و خاصة الرجل الذي يترأسها، يتبين جليا أن نظام بن علي حباه كثيرا وأغدق عليه بنيل شرف أنبل المسؤوليات بدءا بعميد كلية الحقوق وصولا إلى مدافعا عن حقوق الإنسان لنظام بن علي لدى المنتظم الأممي، ولا فائدة في ذكر الأوسمة الفخرية والميداليات التي سلمه إياها بن علي بنفسه، فبحق يعتبر إصراره على الدفاع عن شرعية هذه اللجنة رغم صدور حكم ابتدائية تونس، ضربا من أكل لحم الشهداء وتدنيس دمائهم الزكية، ومسا صريحا باستقلالية القضاء الذي يعود بالنفع عن المتقاضين قبل القضاة .
وحتى لا نتجنى على أحد، واعتبارا لدور النخبة في رسم معالم على طريق التحرر الفعلي والإنعتاق من براثن قوى الجذب إلى الوراء، فإنه يبرز جليا أن هذه اللجنة لا تعد أن تكون سوى إعادة انتشار لقوى الردة قصد إقناع الشباب الثائر بعدم الاكتراث بقضية المسائلة و محاسبة المجرمين من النظام البائد، على أفعالهم الإجرامية، ويمكن التدليل على ذلك بأن معتصمي القصبة علقوا اعتصامهم وفي القلب حرقة على مصير الثورة، تحت ضغط اعتصام قبة المنزه والذي لا يمكن أن يعد إلا وجها أخر لعملة واحدة في إعادة الانتشار رغم النوايا المبيتة، في عدم صدقية الشعارات المرفوعة من أجل إشهار سلاح فزاعة الانهيار للاقتصاد التونسي، ولا أدل على ذلك من إعادة تجمعهم أمس الأول للاحتفاء بالانتصار، وأي انتصار؟ سقوط حكومة الغنوشي,

بيد أنه وبفحص بسيط للأوضاع السياسية بوطننا العزيز، واستماعا لأصوات و صرخات المناضلين الممانعين البررة، والمطالبين بتطهير الثورة من دنس رموز وأزلام النظام البائد، فإنه يتوجب على رئيس الحكومة الجديد السيد السبسي، أن يقوم بدور سيسجله له التاريخ، و ذلك بجعل مسألة استقلال القضاء نصب عينيه ومن أوكد أولويات عمله لهذه الفترة الانتقالية، و سيبرز ذلك جليا في أول امتحان لحكومته، والمتمثل في عدم دعم لجنة الفساد والرشوة بالإرادة السياسية، وتركها تلقى مصيرها المحتوم، على يد القضاء العادل والمستقل،
وحقا يكون بذلك قد قضى السيد الوزير الأول للحكومة الانتقالية السيد السبسي على آخر جيب من جيوب الردة و قوى الجذب إلى الوراء.


ياسين بن إسماعيل
جامعي و ناشط حقوقي مستقل

Commentaires