ما المانع ان تكسب بلادنا قطبان كبيران قادران على التداول على السلطة فنحاكي الدول العريقة في الديمقراطية؟

أغلب قوى المعارضة الوطنية مثلا اعترفت بنتائج الإنتخابات خاصة بعد أن شهد كل المراقبون بنزاهتها و حتى بعض التجاوزات البسيطة التي حصلت اعتبرت هامشية و لا تؤثر على نتائج الصندوق,لكن المشكل أن بعض القوى كانت منذ الحملة الإنتخابية قد راهنت على فزاعة التخويف من حركة النهضة وهو جائز في اللعبة الإنتخابية رغم أن الشعب التونسي قد عاقبهم على ذلك أما بعض القوى الأخرى اليسارية الراديكالية و "الحداثية" فهي ترفض وجود الإسلام السياسي أصلا لأسباب عقائدية و إيديولوجية لذلك لا تحتمل وجود حركة النهضة في السلطة رغم أن هذه الحركة لا تحتكر السلطة و دخلت في ائتلاف مع المؤتمر من أجل الجمهورية و التكتل من أجل العمل و الحريات في تجربة فريدة في العالم العربي بعيدا عن منطق الهيمنة الذي تدرك الحركة نفسها أنه ليس في صالحها و قد وعدت – للأمانة – بهذا التمشي منذ حملتها الإنتخابية ,لكن الكثير من قادة المعارضة رفضت المشاركة في حكومة وحدة وطنية لأسباب تخصها بعضها داخلي بعد صدمة النتائج كالحزب الديمقراطي التقدمي أو لأسباب تتعلق بالإنتخابات القادمة و حصر النهضة في الزاوية عبر توريطها في مواجهة تسونامي من الملفات الكبيرة و المعقدة و الشائكة خاصة الملف الإجتماعي و كذلك مراهنة قوى أقصى اليسار و أيتام النظام القديم على فشل حكومة الترويكا و محاولة إرباكها ميدانيا و إعلاميا بعد تسلل بعض الفاشلين إلى وسائل الإعلام و تحالفهم مع أبواق النظام القديم التي وجدت الفرصة سانحة لتبييض وجهها و البحث عن عذرية جديدة . المشكل الرئيسي هو في رفض البعض لوجود الإسلاميين في السلطة أصلا رغم أنهم لم يأتوا إلى السلطة عبر انقلاب بل بشرعية الصندوق الإنتخابي و المصيبة أن هذه القوى تدعي الديمقراطية و الحداثة التي من ضمن قيمها احترام إرادة الشعب , و لكنهم يكفرون بالديمقراطية عندما لا تكون في صالحهم و لا تهمّهم مخاطر الإضطرابات حتّى لو أدت إلى خراب البلاد فالتعصب الإيديولوجي يعمي القلوب و الأبصار.
أما الحاجز النفسي الثاني وهو هام في نظري فهو التالي : إذا كانت كل قوى المعارضة قد اجتمعت يوم 25 فيفري في مظاهرة دعم الإتحاد العام التونسي للشغل و لاح التناغم و التلاحم بين صفوفها فما المانع من تشكيل جبهة قوية في الإنتخابات القادمة لإزعاج حركة النهضة و حلفائها فتكسب بلادنا قطبان كبيران قادران على التداول على السلطة فنحاكي الدول العريقة في الديمقراطية و التي يتنافس فيها تياران عريضان قادران على استقطاب الناس , لكن يبدو هذا الأمر بعيد المنال لأن الخلافات الإيديولوجية و الشخصية و حب الزعامة و القيادة هو الغالب . فما جمع أغلب تلك القوى في تلك المظاهرة هو كره النهضة لا حبّ الإتحاد العام التونسي للشغل .
لقد أهدانا شعبنا العظيم حرية لم نكن نحلم بها و أعطى بعض نخبنا فرصة تاريخية للمساهمة في بناء نظام ديمقراطي حقيقي , و الديمقراطية تقتضي التعايش مع المنافسين السياسيين بعيدا عن منطق المؤامرة و التخوين من كلا الطرفين حتّى لا نقول أن قدرنا هو العيش في ظل الإستبداد ثمّ نسأل : من أجهض تلك التجربة الفريدة ؟ و للتاريخ فقد اعتبر بعض الحداثيين و الثورجيين في بداية التسعينات أن محاربة الإسلاميين أولى من مواجهة السلطة الإستبدادية , فكانت الكارثة التي حلّت بالبلاد طوال اكثر من عقدين من الزمن .
الأستاذ أبولبابة سالم

Commentaires