حديث مع المفكر والباحث والمؤرخ الدكتور هشام جعيط :على "النهضة" الإقرار باستحالة حصول ثورة ثانية داخل الثورة يكون فيها الإسلام محرك الدولة

 المفكر والباحث والمؤرخ الدكتور هشام جعيط - أحد أبرز علماء عصره ورموز الحداثة والتنوير في العالم العربي - 
تقييم المفكر هشام جعيط للمشهد السياسي الراهن في البلاد بعد عامين على الثورة والتجاذبات الحاصلة بين الفرقاء، الى الدستور الذي يتطلع اليه التونسيون، وغير ذلك من القضايا المصيرية للبلاد..
والواقع أنه قد تتفق أو تختلف مع آراء وأفكار الدكتور هشام جعيط، ولكن الثابت وأنت تجلس إليه أنه لا يمكن إلا أن تتابع وتتأمل ذلك التسلسل في تقديم بنات أفكاره بتواضع العلماء وترفع الحكماء وهدوء المتبصرين عندما يتعلق الامر بمصائر الشعوب. ولئن كان الدكتور هشام جعيط قليل الظهور في المنابر الاعلامية فإن له أسبابه ومبرراته التي يفترض أن تجد لها آذانا صاغية لدى الحكام الجدد والمتصارعين على السلطة.
الحديث تمحور اللقاء حول الحاضر وواقع البلاد وما تعيش عليه من اهتزازات وتجاذبات منذ الثورة، فيما يتمحور الجزء الثاني والذي سنوافيكم به لاحقا، حول المستقبل والدستور ونظرة الباحث لطبيعة الحكم ورأيه فيما يتعلق بـ"نداء تونس"، الى جانب آرائه ومقترحاته بخصوص إصلاح الاقتصاد ومساعدة العاطلين وإنقاذ مسار الثورة...
 منذ ستة أشهر والتونسيون ينتظرون التحوير الوزاري الذي لا يأتي، كيف يرى المفكرهشام جعيط من موقعه اليوم المشهد السياسي في البلاد وحصيلة حكم الترويكا الذي تجاوز العام الآن مع انقضاء الذكرى الثانية للثورة، وإلى أين تسير القاطرة اليوم؟
- في ما يتعلق بالشأن الداخلي والسياسة الداخلية، وخلافا لما يجري ويصدر من أقوال ويطرح من أفكار وآراء في الشأن السياسي الوطني، فإني أتفق الى حد كبير مع ما صدر عن السيد أحمد المستيري في حواره مؤخرا مع "الصباح الأسبوعي"، من آراء وهي ليست بالسائدة اليوم.
ولو أننا نبدأ من التحوير الوزاري فمن وجهة نظري لا أرى ضرورة لهذا التحوير في هذه المرحلة، بل من الافضل أن تبقى الأمور على ما هي عليه، و ربما الاقتصار على دمج بعض الوزارات على أن يظل الوزراء في مواقعهم، والسبب في رأيي أن رئيس الحكومة وعد بإجراء انتخابات في جوان القادم. بمعنى أن ليس هناك اليوم ضرورة لإدخال أحزاب معارضة أو شيء من هذا القبيل على الحكومة الراهنة، ثم ان الوزراء لا بد أن يتموا عملهم وهذا أيضا يستلزم منحهم وقتا، كما أن فكرة التحوير الوزاري من شأنها أن تدخل بلبلة على الفكر السياسي والسياسيين، ناهيك أن أكثر الاحزاب السياسية مرتبكة وقد أصبح الشأن السياسي لعبة بين الفرق وصار أساس كلام الناس من دون أي طائل.
هناك سبب آخر أيضا وأعتقد أنه أساسي. فقد تكون ومنذ ديسمبر 2011 ثالوث يتقمص الدولة (ولا أقول "ترويكا" فهذه ليست عربية)، وهذا أمر إيجابي جدا الآن لأن الدولة قبل ذلك لم تكن موجودة فعلا، وما جرى في السنة الاولى بعد الثورة ترميم ضعيف لكنه ضروري للحكم السياسي، وكان السائد هو الفوضى الشاملة وهذا أمر طبيعي بعد ثورة مثل ثورة تونس .
ولكن هناك انتقادات كثيرة بسبب تراجع هيبة الدولة اليوم؟
- للتوضيح لا بد من الاشارة الى أن بروز مفهوم الدولة حصل عندما تكوّن الثالوث الذي جاء بعد انتخابات.. هذا الثالوث له شرعية ومن حسن الحظ أنه حصل اتفاق بين الاحزاب الثلاثة. وهذا الثالوث، وبالرغم من التجاذبات وتباين الأفكار، مازال قائم الذات... إذن يمكن القول اليوم أن هناك دولة، وهذا في اعتقادي لم يشعر به الوسط السياسي ولا الرأي العام، وهم ينتقدون دوما ما هو حاصل ولا يرون اليوم أن هناك نظاما، وحتى إن كان متذبذبا لا محالة ولكنه نظام قائم بعد ثورة عارمة لها سنتان من العمر وهي مدة قليلة.
ما نلاحظه أن الكثير من الناس يشتكون من الفوضى والاضطراب السائد ولكن في اعتقادي عليهم أن يتذكروا ما كان عليه الأمر في السنة الاولى عندما كانت الثورة لا تزال ساخنة، فالاضطراب هنا أمر طبيعي وقد كان سائدا بصفة قوية، لكن الآن هناك نظام. ومع الأسف أرى أن التفاهم بين أعضاء الثالوث ليس كاملا ويجب أن يكون كاملا الى حدود الانتخابات القادمة، كما أن التنسيق بين أعضاء الثالوث ليس جيدا حتى الآن وكأن كل واحد منهم غير مرتاح للدور الذي يتقمصه.
هناك دستور بصدد التحرير ومادامت هناك آفاق بينة ودقيقة لانتخابات مقبلة، فعليهم أن يعوا أن هذا الوضع الانتقالي إنما هو انتقالي بالفعل ووقتي. وعلى كل طرف منهم أن يرضى بالدور الذي يتقمصه وأن يقع التفاهم بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس المجلس التأسيسي.
*
 ولكن هذا ليس موقف شريحة واسعة من الرأي العام وقوى المجتمع المدني والاعلام في بلد لم تكتمل ثورته بعد؟
- أعرف جيدا أن الرأي العام يؤثر كثيرا على الحاكمين والقائمين بالسلطة وأن هناك قوى في الساحة الوطنية، في الاعلام وأوساط المثقفين والمؤسسات المدنية، وهي متكاثرة وهذا أيضا أمر طبيعي بعد الثورة، إنما على الحكام ألا يلتفتوا كثيرا إلى هذه الانتقادات، فالوقت ليس وقت التزاحم. ولكن في المقابل فإن المتبقي من الوقت في عمر الحكومة، سواء ستة أشهر أو سنة، يفرض التنسيق بين الثالوث ممثل الدولة. ولا يمكن لهؤلاء (رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية ورئيس المجلس التأسيسي) القيام بحسابات من أجل مستقبل سياسي بل يتوجب عليهم أن يعيشوا حاضرهم تماما ويؤكدوا للرأي العام تضامنهم من خلال سياسة الدولة.
أقول هذا الكلام وأنا واع بتواجد عدد كبير من الاحزاب على الساحة وبوجود المعارضة، بل لا بد من للمعارضة أن تكون موجودة في جو ديموقراطي، ولكن الحقيقة ايضا أن الناس يعيشون في وهم كبير وهذا الوهم مرتبط بالاعتقاد بأن الأمور ستتغير بعد الانتخابات.
شخصيا لا أرى ذلك ولا أعتقد أن الأمور ستتغير بعد الانتخابات وأنه ليس لأحزاب المعارضة إمكانية تأكيد ذاتها في التغلب في انتخابات آتية مستقبلا.
*
 كيف يرى الدكتور المشهد السياسي مستقبلا، وما هي مبرارتكم في ذلك؟
- في اعتقادي أن "النهضة" ستحصل على قسط لا بأس به من أصوات الناخبين ولكن أقل مما تحصلت عليه في انتخابات 23 أكتوبر، وأعتقد أن "المؤتمر" سيحصل أيضا على عدد من معين من المقاعد وكذلك "التكتل"، وربما يكون من المهم أن ينضم الى المشهد حزب نجيب الشابي (الحزب الجمهوري) ويكون حينئذ لهذه القوى الاربع حظوظ كبيرة في التمكن من الاغلبية وأن يحصل ائتلاف بينها مثلما حصل أواخر 2011.
أرى ذلك أمر ايجابي بالنسبة لشعب تونس، ومن الإيجابي أيضا ألا تكون "النهضة" متغولة وألا تحصل على الأغلبية المطلقة لأن هذا سيكون أمرا سيئا للمجموعة الوطنية وحتى بالنسبة لـ"النهضة" ذاتها. والأمر المستحسن الآخر في هذا السيناريو أن "النهضة" تمثل الحساسية الاسلامية بينما الاحزاب الأخرى تمثل العلمانية وهي علمانية غير مبالغ فيها ومعتدلة، أي علمانية لها قسط من الحساسية الاسلامية وليست معادية تماما للتيار الاسلامي بل علمانية صميمة. وهذا في الواقع ما أتمناه لعدد كبير من المثقفين في المجتمع المدني، أن يكونوا مدنيين لهم اتجاه علماني لكن من غير أن يفقدوا تماما الحس الاسلامي كما كان الأمر جاريا زمن بورقيبة والمخلوع بن علي، حيث أن عددا كبيرا من المثقفين نزعوا عنهم كل صلة بالتراث الاسلامي.
لذا، وإذا صح ما ينسب لحركة "النهضة" من مشاريع واضحة أو ضمنية نحو المستقبل باتجاه ضمان التغلب الكامل لتيارها فان ذلك لن يكون في خدمة المصلحة الوطنية، أي اعتبار ضرورة ان يقوم نظام اسلامي بحت وأن تتكون جمهورية اسلامية في تونس .
*
 أين يكمن الخطأ في الدفع لتغليب خيار النظام الاسلامي في تونس بعد الثورة؟
-أولا مثل هذا المشروع سيدخل انقساما على الانقسام الموجود بل تطاحنا كبيرا قد يؤدي الى ما لا تحمد عقباه. فعندما يطالب الغنوشي بالغاء أو بالابتعاد على الاقل عن لجان حماية الثورة وعندما يطالب تيار النهضة بالابتعاد عن السلفيين فهذا في الواقع في مصلحة الحركة ومصلحة البلاد عامة لانه يجب الاقرار بأنه من المستحيل بل ليس جيدا أن تحصل ثورة ثانية داخل الثورة أي ثورة في سبيل تقرير الاسلام كمحرك للدولة فالفترة التي نعيشها لا تسمح بذلك و ليست متماشية مع هذه الفترة.
لسنا في 1979 عندما قامت الثورة الايرانية وبلدنا ليس ايران وهو بلد كبير أراد أن يضطلع بثورة موجهة لكل العالم الاسلامي تماما كما قامت ثورة روسيا في 1917 أي ثورة تاريخية، وادرك ان لا يمكن لثورة اسلامية أن تأتي لتركب في ثورة ديموقراطية.
علينا أن نستوعب ان ثورة تونس وعموما الربيع العربي كانت ثورة ديموقراطية ضد الدكتاتورية وضد الآلام التي اخترقت أبناء هذا البلد في سبيل الحرية والكرامة وأن هذه الثورة في تونس أو مصر او ليبيا لم يقم بها الاسلاميون، بل ان الاسلاميين دخلوا في العامل السياسي بعد الثورة مثلهم في ذلك مثل كل الاجزاب والتيارات الاخرى... صحيح انه كان لهم رصيد قليل من زمن بن علي وما قبله منذ السبعينات، وهم اضطهدوا من طرف النظم السابقة ولكن رايتهم كانت راية الاسلام وهذا التيار كما أسلفت كان موجودا منذ السبعينات .
ولمزيد التوضيح لا بد من الاشارة الى أن هناك تعارضا بين فكرة ترسيخ دولة اسلامية وبين الاعتماد على لجان حماية الثورة. مفهوم لجان حماية الثورة يفترض أن يكون حول حماية الحرية والكرامة والتعددية ولا يعني بالتالي حماية فلسفة ما ايديلوجية، ومن هنا أذكر ان الثورة لم تكن ايديولوجية ولم تكن في سبيل ارساء نظام يستوحي ذاته من ايديولوجيا معينة كما الحال مع روسيا الشيوعية وايران الاسلام... حماية الثورة تعني حماية التعددية والحرية ولايمكن الاعتماد على مفهوم الثورة من جهة وما تتضمنه من قيم عامة، وفي ذات الوقت على ايديولوجيا معينة.
المفروض ان النظام الديموقراطي لا يعتمد على ايديولوجيا معينة بل مفاهيم عامة وهي الحرية والمساواة والعدالة والكرامة الانسانية وتعددية الآراء والتداول السلمي على السلطة وعلى فكرة سيادة الشعب وانه منبع السيادة وليس الدين أو النظرية الماركسية أو شيء من هذا القبيل، وبالتالي أقول حسنا تفعل "النهضة" اذا التزمت بقيام الثورة دون ايديولوجيات لأن لها حساسية خاصة وهي الحساسية الاسلامية ولكل حزب آراء وتصورات حول المجتمع وهذا أمر طبيعي في الديموقراطية، فالديموقراطية تعني أولا وثانيا أن لكل حزب حساسيته.
*
 ولكن ماذا عن مستقبل الاسلام السياسي في دول الربيع العربي بعد صعود حكومات اسلامية على أنقاض الانظمة الاستبدادية التي سقطت؟
- الواقع أن العالم العربي - والاسلامي - اليوم يطرح ومنذ جيل تقريبا بقوة مسألة الاسلام، وهذا من أفغانستان الى باكستان والمغرب والسودان وغيرها. المشكلة اذن مطروحة ومن الطبيعي ألا تنفرد تونس بهذا التيار وحركة "النهضة" وجدت منذ السبعينات، يعني أننا داخل حركة التاريخ ولسنا بمنأى عنه. والاسلاموية حركة عارمة ليس علينا الدخول في أسبابها ومسبباتها لكنها واقع كتيار فلسفي سياسي ديني في المجتمعات العربية والاسلامية، ومن احدى صور عدم التسامح الموجود بقوة عند العلمانيين في تونس وغيرها أيضا ألا نتفهم وجود مثل هذه التيارات.
صحيح أن الثورة عندنا وكذلك في مصر وسوريا لم تقم على هذه الفكرة بل قامت على نبذ الدكتاتورية وعلى فكرة ارساء ديموقراطية حقيقية يكون فيها الانسان مرتاح لمصيره .
* هل يمكن اعتبار أن حركة "النهضة" حركة ديموقراطية؟
- لا أقول أن حركة "النهضة"، وهذا ما يقوله الكثيرون خطأ، تنبذ الديموقراطية، والدليل على ذلك أن حركة "النهضة" تعاملت مع أحزاب أخرى في تحالف قائم ولم تحتكر السلطة تماما وأن المجلس التأسيسي والمجتمع يتعايش وفيه تيارات متعددة مرجعها فكرة الثورة والحرية أي حرية الاعلام وحرية تكوين الاحزاب.
ما نعيشه اليوم نقاشات تكاثرت الى درجة المبالغة وتكاثرها ليس دوما بالجيد بل فيه الكثير من اللغو السياسي. ومن هنا أقول انه لا يمكن بناء مستقبل تونس على فكرة واحدة خصوصا وأن هذه الفكرة ليست بالجديدة وأن القائمين بها أناس تواجدوا منذ عهد بورقيبة بينما الثورة الفعلية، وألح على فعلية الثورة لأنها قامت في الواقع وتدخل بالتالي في زمرة الجديد وضمن تطور المجتمع من مجتمع جاهل سابقا الى مجتمع مثقف ومن مجتمع مرتكز على الرجولة الى مجتمع تلعب فيه المرأة دورها ومن مجتمع تفتح قسرا منذ خمسين عاما على العالم الخارجي ومن مجتمع منكمش الى مجتمع دخلت فيه العولمة ومن مجتمع غير مصنع الى مجتمع اخترقه التصنيع سواء الداخلي او الخارجي ومن مجتمع فقير جدا الى مجتمع في حالة نمو واضحة ومن مجتمع موحد في الفاقة والحرمان الى مجتمع تراتبي فيه الاثرياء والفقراء والطبقة المتوسطة...
اذن مجتمع معقد وكل هذا عبرت عنه الثورة في تونس ومصر بصفة تلقائية وضمنية. كل هذه القوى تداخلت لإقامة حركة جماعية قوية لم تقم بها تونس في الماضي أبدا وهذا علينا تفهمه مليا وهو في الواقع في باطن الضمائر ويجب الافصاح عنه وتبيانه بالكلمة.
* لو نعود الى ما تطرقت اليه في البداية حول الشرعية وحول الانتقادات للحكومة، فكيف يمكن اليوم لتونسي عايش كل أنواع القيود على حرية الرأي والتعبير الى النشاط السياسي القبول بسلطة بلا خارطة طريقة باسم الشرعية الانتخابية، وكيف يمكن أيضا لمن رفع راية الحرية عنوانا لثورته عدم انتقاد الحكومة بدعوى عدم ارباكها؟
- ما أريد قوله أن مدة عام ليس بالكثير بعد ثورة أدخلت اضطرابا كبيرا على مسار المجتمع، ولو أننا أجرينا مقارنة بين السنة التي مضت والسنة الاولى للثورة نقول أنه على الرغم من أن مسيري الدولة - ان صح الكلام عن وجود دولة في تلك الفترة - قد قاموا بعمل محترم فإن هذه السنة لا تشبه السنة الاولى للثورة. فقد حصل فيها تنظيم نسبي للمؤسسات ثم ان الناس كثيرا ما يعيبون أمورا على الحكومة بالمعنى الضيق للحكومة أي حكومة الجبالي بينها الواقع أن الحكومة أداة لتسير الادارة، والعمل الذي تقوم به هو تسير الادارة بما في ذلك الامن والتعليم وتنظيم وزارة المالية والبنك المركزي والامور السياسية، وهذا العمل الاداري ضخم جدا، والحكومة من هذا المنظور تقوم بعملها.
وعلينا ألا ننسى أن مشكلة الدستور تدخل في مشمولات المجلس التأسيسي ونوابه والاحزاب وليس مشكلة الحكومة ولا رئيس الجمهورية ولا حتى رئيس المجلس التأسيسي لأن الرئيس يسير المجلس لكن الكلمة للنواب واللجان داخله والاحزاب والنهضة وأهم تلك الاحزاب تلعب دورها لانها تعطي خارطة طريق لممثليها رغم أن الانشطار حاصل اليوم وهو أمر واضح. وطبيعي جدا أن من يكتسب الحكم اليوم يريده غدا ويحسب لذلك الحسابات فيحصل تعطيل كبير في مسار كتابة الدستور في أمور بسيطة في آخر المطاف وهي الاسس العامة والفكرية التي يؤسس لها الدستور.
ومن جهة ثانية فإنه من المهم ترتيب المسؤوليات لأداة الحكم في المستقبل، ولا شك أن في ذلك التأخير والاضطراب والنقاشات اللامتناهية قسط كبير من عدم الشعور بالمسؤولية إزاء الشعب ومصالحه وكل يجذب اللحاف لافكاره وهذا كله مرتبط بسوء فهم الديموقراطية لان الديموقراطية ليست المعارضة الدائمة للافكار وإنما تستقيم أيضا على تفاهم وعلى نظام والديموقراطية ليست الفوضى واللامسؤولية .
*
 ألا يمكن أن تكون المعركة أساسا بسبب المخاوف حول مستقبل الحريات؟
- هناك أمانة أنيطت بعهدة ممثلي الشعب من النواب والحكام ولابد من قسط من حسن النية لأننا في لحظة تاريخية وهذا أمر جلل، بينما في واقع الامور وفي تقديري الشخصي على الاقل أن الدستور سهل تصوره. هناك مبادئ عامة تكون كمرجعية للدستور مثل لقرار الحريات الاساسية وهذا لب الديموقراطية والاسس التي تستقيم عليها أي ديموقراطية والتي أيضا من أجلها قامت الثورة، ومن ذلك أن القول أن تونس بلد اسلامي فهذا واضح وتونس بلد اسلامي والاغلبية في تونس مسلمون واللغة الرسمية العربية وهذا أمر قائم منذ الاستقلال وحرية المراة تدخل ضمن الحريات العامة للانسان التونسي ومساواة المرأة بالرجل تدخل في المبدأ الاساسي لكل ديموقراطية وهو المساواة بين البشر عامة ويجب بالتالي الاعلان على أن تونس تضمن وتعترف بالمبادئ العالمية للامم المتحدة لحقوق الانسان... نحن ننادي بهذا منذ عهد بن علي وحتى بورقيبة. هنا يجب أن يحصل اجماع حول هذه الافكار، والسؤال الذي أطرحه هل تكون الدولة اسلامية أم مدنية ؟ ومن هنا أقول هي اسلامية ومدنية في نفس الوقت، بمعنى هي اسلامية تحمي دين الشعب والدين الذي فرضه التاريخ منذ خمسة عشر قرنا من وجهة مادية اذ ليس لنا كنيسة مثل المسيحيين، فالجوامع وكل ما يهم الشأن الديني تتولى المجموعة الوطنية عن طريق الدولة توفيره من خلال الضرائب خصوصا وأن الاوقاف توقفت منذ وقت طويل، كما أن الدولة الاسلامية لا يعني تطبيق الشريعة بحذافرها، فهناك قسط وافر فيما يتعلق بالميراث في الشريعة قائم الذات ولم يتغير.
أما فيما يخص الاحكام الجزائية، وهي نقاط طفيفة، فلا يمكن تطبيقها وهو من الديماغوجيا في نسبة كبيرة منه ويعبر أيضا عن الجهل والغوغائية.
اذن يمكن القول أن المتشددين في تطبيق العقوبات الجسدية يلهثون وراء تفاصيل جزئية تجاوزتها الانسانية منذ قرون حتى داخل العالم الاسلامي، ولكن الغريب والخطير أن هؤلاء لا يتكلمون عن القيم الانسانية وهي أهم بكثير...
Source: http://www.assabah.com.tn/cont.php?ID_art=83111

Commentaires