من الواضح أن الغنوشي كان مهمشا داخل الحلقة المركزية لصنع القرار في النظام، تعيين الباجي قائد السبسي وزيرا أول يعني أن هذا النظام لايزال منغلقا على نفسه

الندوة الصحفية للغنوشي تستحق ملاحظات مبدئية: أولا، الغنوشي لم يرد رسميا تحمل مسؤولية اطلاق النار على الضحايا بين 25 و 26 فيفري، ملمحا الى مؤامرات من داخل السلطة (الأمن؟) عليه، لكن ألم يكن في تلك الحالة من واجبه الوطني أن يعلن الحقائق؟ ثانيا، كان خلاصه فرديا و لم يتحمل مسؤوليته كأحد المسؤولين الذين شكلوا الحكومة، كان يجب إعلان استقالة الحكومة بوصفه رئيسها لكن فقط بعد اجراء مشاورات واسعة لترتيب مرحلة انتقالية. الأهم من الندوة الصحفية هي الرؤى التي عبر عنها الغنوشي فقط بعد سؤاله من الصحفيين: الغنوشي كـ »مواطن » يقول أن هناك ثورة و أن خروج بن علي و انتقال السلطة لم يكن عاديا (هروب) و بالتالي يجب دستور جديد و انتخابات مجلس تأسيسي. و هي أحد أهم مطالب المعتصمين في القصبة. لما لم يتصل بقوى المعارضة و يفتح حوارا جديا إذا؟ من الواضح أن الغنوشي مهمش داخل الحلقة المركزية لصنع القرار في النظام.
و كان التعيين السريع (لا يمكن التعلل بحالة الطوارئ أمام الاهمية العليا للتوافق الوطني في الوضع الراهن) للباجي قائد السبسي (حوالي 85 عاما) وزيرا أول يعني أن هذا النظام لايزال منغلقا على نفسه و متشبثا بالماضي و وجوه الماضي. و بمعزل عن تدخل أي قوى خارجية فهذا النظام هو من يتحمل بالأساس المسؤولية في الاصرار على الانغلاق أمام اي حوار جدي
لن أدافع عن الأطراف المعارضة للحكومة بما في ذلك التي تشكل التحالف السياسي المرعوف باسم « المجلس الوطني لحماية الثورة ». لكن جميع الاطراف السياسية أو الاطراف التي تشتغل في السياسة (و من السذاجة أن يعتقد أي أحد أن النقابات في أي مكان و زمان و خاصة في أمكنة و أزمنة الثورة لا تشتغل في السياسة) هي أطراف تستهدف الوصول الى السلطة… أو في أقل الاحوال التأثير فيها

لكن ما سأقوله، و قلته الكثير من المرات، من يسيطر على الحكم هو المسؤول في رأيي عن أزمة الثقة هذه الآن و هو ائتلاف تم تشكيله تحت رعاية بن علي (و كان يستهدف انقاذ بن علي) منذ 13 جانفي

انغلاق هذا الائتلاف على نفسه و رفضه طيلة الفترة الماضية الدخول في حوار جدي مع مقترحات توسيع السلطة التي تسير المرحلة الانتقالية… ثم غموض ترتيبات المرحلة الانتقالية مع اقصاء بقية الاطراف من مركز قرار شكل المرحلة الانتقالية (لجنة الاصلاح السياسي لديها صلاحيات استشارية فقط.. من يقرر في النهاية هي الحكومة)… هذا تحديدا الذي وفر الفرصة للاطراف المقصية لكي تحشد عددا لابأس به من الناس حولها… و أقصد الذروة التي وصلها الاعتصام يوم 25 فيفري… اذ استمال تحالف « مجلس حماية الثورة » الاطراف الاجتماعية التي كانت عصب الثورة من طبقات مفقرة و حتى وسطى التي استفزها تردد هذه الحكومة و خاصة مبادراتها التي لا توشي بالقطع مع الماضي و عدم وضوح خريطة الطريق الى ذلك القطع
في المقابل الائتلاف الحاكم (ما أسميه حكومة 13 جانفي) نجح في المناورة مرة أخرى و مثلما حصل في الاعتصام الأول استمال اليه شرائح اجتماعية تخاف عدم الاستقرار و تخاف « زحف المفقرين » على العاصمة
من الواضح أن استمالة هاتين الكتلتين السياسييتين لأطراف اجتماعية مختلفة ليس أمرا مصطنعا و هو تعبير عن رؤيتين لمعنى التغيير في الوقت الراهن تتأثر بالمصالح الاجتماعية لكل طرف و ليس مجرد اختلاف في الحجج و النفسيات. تقديري أن من بدأ و تحمل أكثر دماء في هذه الثورة هو من يدفع في اتجاه ديمقراطية أكثر جدية و عمقا (جستور جديد و مجلس تأسيسي). و هذا بمعزل عن اي انتهازية يمكن ان تتصف بها كل أو بعض أطراف « مجلس حماية الثورة ». و الحقيقة أن هناك خليطا و فيسفساءا في اعتصام القصبة الاول ثم الثاني. هناك أطراف سياسية واضحة المعالم و هناك شباب يرفض تلك الاطراف لكن يتفق مع خطتها السياسية. و بالتالي من الصعب الحديث عن « تلاعب » من قبل طرف واحد.. هناك محاولة استفادة من كل طرف للطرف الآخر
أخيرا، أن نكون مع روح و اهداف و مطالب اعتصام القصبة لا يعني أننا نتقاسم نفس طموحات هذه الاطراف بل يعني أننا نتقاسم أهداف تلك الطبقات المحرومة في ديمقراطية جدية و مستديمة. الوضع الأمثل الذي كنت دائما أطمح اليه هو أن تفرز جموع الشباب هذه احزابها الخاصة الجديدة التي تقطع مع السرديات الايديولوجية المنغلقة لهذه الاطراف السياسية. لكن ذلك يتحقق باحتشام الان و ليس بشكل حاسم
 
طارق الكحلاوي
Tarek Kahlaoui has a Ph.D (University of Pennsylvania 2008)

Commentaires